الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وكان من خبرهم أنه لما استقر أبو درقة في ولاية أسوان سار إلى ابن قرط واتفق معه على المخامرة وسار معه إلى قوص وأفرج عمن بها من الأمراء المقدم ذكرهم. وكان عدة الأمراء الذين بقوص زيادة على ثلاثين أميرًا وعدة كبيرة من المماليك السلطانية الظاهرية فلما بلغ خبرهم الأمير مبارك شاه نائب الوجه القبلي اجتمع معه أيضًا نحو ثلاثمائة مملوك من الظاهرية واتفقوا على المخامرة أيضًا واستمال مبارك شاه عرب هوارة وعرب ابن الأحدب فرافقوه واستولوا على البلاد فلما خرجت تجريدة منطاش الأولى لهم انتهت إلى أسيوط فقبض عليهم مبارك شاه المذكور وأفرج عمن كان معهم من المماليك الظاهرية فلما بلغ منطاش ذلك أخرج أسندمر بن يعقوب شاه كما تقدم ذكره وسار إليهم من الشرق وتوجه إلى جهة الصعيد بمن معه فلقيه الخارجون عن الطاعة فواقعهم أسندمر بمن معه فكسروه فرسم منطاش بخروج نجدة لهم من الأمراء والمماليك وأجناد الحلقة وبينما هو في تجهيز أمرهم جاء الخبر أن أسندمر واقع مبارك شاه ثانيًا وكسره وقبض عليه وأرسله إلى منطاش فقدم مقيدًا فرسم منطاش بحبسه في خزانة شمائل. ثم في يوم سابع عشرينه عين منطاش تجريدة إلى جهة الكرك فيها أربعة وقيل خمسة أمراء من مقدمي الألوف وثلاثمائة مملوك ثم أخرج منطاش الأمير بفوط الصرغتمشي والأمير غريب لكشف أخبار الملك الظاهر برقوق بالكرك. وأما الملك الظاهر برقوق فإنه لما أنزله عوام الكرك من قلعتها إلى المدينة وقاموا في خدمته وأتته العربان وصار في طائفة كبيرة ووافقه أيضًا أكابر أهل الكرك قويت شوكته بهم وعزم على الخروج من الكرك وبرز أثقاله إلى ظاهر الكرك فاجتمع عند ذلك أعيان الكرك عند القاضي عماد الدين أحمد بن عيسى المقيري قاضي الكرك وكلموه في القيام على الملك الظاهر برقوق مراعاة للملك المنصور حاجي وللأمير منطاش واتفقوا على قبضه وإعلام أهل مصر بذلك وأنهم يعتذرون لمنطاش أنه لم يخرج من حبسه بالكرك إلا باجتماع السفهاء من أهل الكرك ليكون ذلك عذرًا لهم عند السلطان وبعثوا ناصر الدين محمدًا أخا القاضي عماد الدين المذكور فأغلق باب المدينة وبقي الملك الظاهر برقوق داخل المدينة وحيل بينه وبين أثقاله ومعظم أصحابه. فلما قام الملك الظاهر برقوق ليركب فرسه بلغه ذلك وكان القاضي علاء الدين علي كاتب سر الكرك وهو أخو القاضي عماد الدين يكتب للملك الظاهر في مدة خروجه من حبس الكرك وبالغ في خدمته وانضم عليه فلما رأى ما نزل بالملك الظاهر وبلغه اتفاق أهل المدينة مع أخيه القاضي عماد الدين على القبض على الملك الظاهر برقوق أعلم الملك الظاهر بذلك وقوى قلبه وحرضه على السير إلى باب المدينة فركب معه برقوق وسار حتى وصل إلى الباب فوجده مغلقًا وأخوه ناصر الدين قائم عند الباب كما أمره أخوه عماد الدين قاضي الكرك فما زال علاء الدين بأخيه ناصر الدين المذكور حتى فتح له الباب وخرج بالملك الظاهر منه ولحق ببقية أصحابه ومماليكه الذين كانوا حضروا إليه من البلاد الشامية فأقام الملك الظاهر بالثنية خارج الكرك يومًا واحدًا وسار من الغد في يوم ثاني عشرين شوال إلى نحو دمشق ونائبها يوم ذاك جنتمر أخو طاز وقد وصل إليه الأمير الطنبغا الحلبي من مصر نائبا بحلب عوضًا عن الأمير كمشبغا الحموي فاستعدوا لقتال الملك الظاهر ومعهما أيضًا حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة بعساكرها. ثم أقبل الملك الظاهر برقوق بمن معه فالتقوا على شقحب قريبًا من دمشق واقتتلوا قتالًا شديدًا كسروا فيه الملك الظاهر غير مرة وهو يعود إليهم ويقاتلهم إلى أن كسرهم وانهزموا إلى دمشق وقتل منهم ما يزيد على الألف - قاله المقريزي - فيهم خمسة عشر أميرًا وقتل من أصحاب الملك الظاهر ستون نفسًا ومن أمرائه سبعة نفر فهي أعظم وقعة كانت للملك الظاهر برقوق في عمره. وركب الملك الظاهر أقفية الشاميين إلى دمشق فامتنع جنتمر بقلعة دمشق وتوجه من أمراء دمشق ستة وثلاثون أميرًا ونحو ثلاثمائة وخمسين فارسًا وقد أثخنوا بالجراحات ومعهم نائب صفد وقصدوا الديار المصرية. فلم يمض غير يوم واحد حتى عاد ابن باكيش نائب غزة بجماعة كبيرة من العربان والعشير لقتال الملك الظاهر وبلغ الملك الظاهر ذلك فأرسل الوالد وقلمطاي لكشف الخبر فعادا إليه بسرعة بحضور ابن باكيش فركب الملك الظاهر في الحال وخرج إليه والتقى معه وقاتله حتى كسره وأخذ جميع ما كان معه من الأثقال والخيول والسلاح فتقوى الملك الظاهر بذلك وأتاه عدة كبيرة من مماليكه الذين كانوا بالبلاد الشامية في خدمة أمراء الشام ثم دخل في طاعته الأمير جبريل حاجب حجاب دمشق وأمير على بن أسندمر الزيني وجقمق الصفوي ومقبل الرومي وصاروا من جملة عسكره فعند ذلك ركب الملك الظاهر إلى دمشق وحصرها وأحرق القبيبات وأخربها فهلك في الحريق خلق كبير. وأخذ أهل دمشق في قتال الملك الظاهر برقوق وأفحشوا في أمره بالسب والتوبيخ وهو لا يفتر عن قتالهم وبينما هو في ذلك أتاه المدد من الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب ومن جملة المدد ثمانون مملوكًا من المماليك الظاهرية البرقوقية فلما بلغ جنتمر مجيئهم أخرج إليهم من دمشق خمسمائة فارس ليحولوا بينهم وبين الملك الظاهر فقاتلتهم المماليك الظاهرية وكسرتهم وأخذوا جميع ما كان معهم وأتوا بهم إلى أستاذهم الملك الظاهر ففرح بهم غاية الفرح. قال الوالد: فعند ذلك قوي أمرنا واستفحل. واستمروا على حصار دمشق وبينما هم في ذلك وإذا بنعير قد أقبل في عربانه يريد قتال الملك الظاهر برقوق فخرج الملك الظاهر وقاتله فكسره واستولى على جميع ما كان معه. فقوي الملك الظاهر بما صار إليه من هذه الوقائع من الخيل والسلاح وصار له برك كبير بعد مما كان معه خيمة صغيرة لا غير وكانت مماليكه في أخصاص وكل منهم هو الذي يخدم فرسه بنفسه والآن فقد صاروا بالخيم والسلاح والغلمان هذا ومماليك الملك الظاهر يتداول مجيئهم إليه شيئًا بعد شيء ممن كان نفاهم الناصري ومنطاش إلى البلاد الشامية. ووصل الخبر بهذه الوقائع كلها إلى منطاش في خامس عشر ذي القعدة فقامت قيامة منطاش لما سمع هذه الأخبار. وأخذ منطاش في تجهيز الملك المنصور حاجي للسفر لبلاد الشام لقتال الملك الظاهر برقوق وأمر الوزير موفق الدين بتجهيز ما يحتاج إليه السلطان فلم يجد في الخزانة ما يجهز به السلطان واعتذر بأن المال انتهب وتفرق في هذه الوقائع فقبل عذره. وسأل منطاش قاضي القضاة صدر الدين المناوي الشافعي وكان ولاه قضاء القضاة قبل تاريخه بمدة يسيرة بعد عزل ناصر الدين ابن بنت الميلق وقال له: أقرضني مال الأيتام وكانت إذ ذاك أموالًا كثيرة فامتنع المناوي من ذلك ووعظه فلم يؤثر فيه الوعظ وختم على جميع مال الأيتام. ثم رسم منطاش لحاجب الحجاب ولناصر الدين محمد بن قرطاي نقيب الجيش بتفرقة النقباء على أجناد الحلقة وحثهم على التجهيز للسفر وبينما هم في ذلك قدم عليه الخبر بكسرة ابن باكيش نائب غزة ثانيًا من الملك الظاهر برقوق وأخذ الملك الظاهر ما كان معه فاشتد عند ذلك الاضطراب وكثر الإرجاف ووقع الاهتمام بالسفر وأزعج أجناد الحلقة. واستدعى منطاش الخليفة المتوكل على الله والقضاة والشيخ سراج الدين عمر البلقيني وأعيان الفقهاء ورتبوا صورة فتيا في أمر الملك الظاهر برقوق وانفضوا من غير شيء. وفي اليوم ورد على منطاش خبر واقعة صفد وكان من خبرها أن مملوكًا من مماليك الملك الظاهر برقوق يقال له يلبغا السالمي كان أسلمه الظاهر إلى الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك فرباه بهادر ورتبه خازنداره. واستمر على ذلك إلى أن نفى الملك الظاهر بهادر إلى البلاد الشامية فصار يلبغا السالمي المذكور عند صواب السعدي شنكل لما استقر مقدم المماليك بعد بهادر المذكور وصار دواداره الصغير فلما قبض الناصري على شنكل المذكور خدم يلبغا السالمي هذا عند الأمير قطلوبك النظامي نائب صفد وصار دواداره وسار مع أهل صفد سيرة حميدة إلى أن قدم إلى صفد خبر الملك الظاهر برقوق وخروجه من حبس الكرك جمع النظامي عسكر صفد ليتوجه بهم إلى نائب دمشق نجدة على الظاهر وأبقى يلبغا السالمي بالمدينة فقام يلبغا السالمي في طائفة من المماليك الذين استمالهم وأفرج عن الأمير إينال اليوسفي نائب حلب كان وعن الأمير قجماس ابن عم السلطان الملك الظاهر برقوق ونحو المائتين من المماليك الظاهرية من سجن صفد ونادى بشعار الملك الظاهر برقوق وأراد القبض على الأمير قطلوبك النظامي فلم يثبت النظامي وفر في مملوكين فاستولى السالمي ومن معه على مدينة صفد وقلعتها وصار الأمير إينال اليوسفي هو القائم بمدينة صفد والسالمي في خدمته وأرسلوا إلى الملك الظاهر بذلك. وكان هذا الخبر من أعظم الأمور على منطاش وزاد قلقه وكثرت مقالة الناس في أمر الملك الظاهر ثم تواترت الأخبار بأمر الملك الظاهر. وفي
حسام الدين بن باكيش وصحبته الأمير قطلوبك النظامي نائب صفد المقدم ذكره والأمير محمد ابن بيدمر أتابك دمشق وخمسة وثلاثون أميرًا من أمراء دمشق وجمع كبير من الأجناد هزموا الجميع من الملك الظاهر برقوق وقدموا إلى القاهرة وهم الذين قاتلوا برقوقًا مع جنتمر نائب الشام وقد تقدم ذكر الواقعة فرسم منطاش بدخولهم القاهرة. وفي هذا اليوم استدعى منطاش الخليفة المتوكل على الله والقضاة والعلماء بسبب الفتيا في الملك الظاهر برقوق وقي قتاله فكتب ناصر الدين الصالحي موقع الحكم فتيا في الملك الظاهر برقوق تتضمن السؤال عن رجل خلع الخليفة والسلطان وقتل شريفًا في الشهر الحرام والبلد الحرام وهو محرم يعني عن أحمد بن عجلان صاحب مكة واستحل أخذ أموال الناس وقتل الأنفس وأشياء غير ذلك ثم جعل الفتيا عشر نسخ فكتب جماعة من الأعيان والقضاة. ثم رسم منطاش بفتح سجن قديم بقلعة الجبل كان قد ارتدم وسجن فيه عدة من المماليك الظاهرية المقبوض عليهم قبل تاريخه. ثم وجد منطاش ذخيرة بالقاهرة للأمير جركس الخليلي في بيت جمال الدين أستاداره فيها خمسمائة ألف درهم ونحو خمسين ألف دينار فأخذها منطاش ثم أخذ أيضًا من مال ابن وفيه دخل الأمراء المنهزمون من الشام إلى القاهرة وهم: قطلوبك النظامي نائب صفد وتنكز الأعور نائب حماة ومحمد بن أيدمر أتابك دمشق ويلبغا العلائي أحد مقدمي دمشق وآقباي الأشرفي نائب قلعة الروم. ومن الطبلخانات: دمرداش الأطروش والي الولاة وأحمد بن تنكز وجوبان الخاصكي الأشرفي وقطلوبك جنجق وخيربك. ومن العشرينات آقبغا الوزيري وأزمدمر القشتمري وقنق الزيني ومنكلي بغا الناصري وآقبغا الإينالي وأحمد بن ياقوت ومن العشرات: أسنبغا العلائي وطغاي تمر الأشرفي ومصطفى البيدمري وقرابغا السيفي من أمراء صفد وتغري برمش الأشرفي ومنجك الخاصكي وقجقار السيفي. ومن أمراء حماة: جنتمر الإسعردي وألطنبغا المارديني وبكلمش الأرغوني القرمي وأسنبغا الأشرفي وحسين الأيتمشي ومن المماليك عدة مائتين وعشرين نفرًا. وفي يوم قدم هؤلاء أفرج منطاش عن الأمير قرقماس الطشتمري واستقر خازندارًا على عادته وعن شيخ الصفوي الخاصكي وعن أرغون السلامي ويلبغا اليوسفي ونزلوا إلى دورهم. ثم نودي بأمر منطاش أن الفقهاء والكتاب لا يركب أحد منهم فرسًا وأن الكتاب الكبار يركبون البغال. ثم رسم بأخذ أكاديش الحمالين وخيل الطواحين الجياد ورسم بتتبع المماليك الجراكسة فطلبهم حسين بن الكوراني وأخذهم من كل موضع. ثم في حادي عشرينه اجتمع الأمراء وأهل الدولة مع الأمير منطاش واتفقوا على استبداد السلطان الملك المنصور حاجي بالأمر وأثبتوا رشده بحضرة القضاة والخليفة فرسم السلطان بتعليق الجاليش على الطبلخاناه ليعلم الناس بسفر السلطان إلى الشام لقتال الملك الظاهر برقوق. ثم أحضر منطاش نسخ الفتوى في الملك الظاهر برقوق وقد أزيد فيها: واستعان على قتال المسلمين بالكفار وحضر الخليفة المتوكل على الله والقضاة الأربعة والشيخ سراج الدين عمر البلقيني وولده جلال الدين عبد الرحمن قاضي العسكر وابن خلدون المالكي وابن الملقن وقاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء وجماعة أخر فحضر الجميع بحضرة السلطان الملك المنصور بالقصر الأبلق وقدمت إليهم الفتوى فكتبوا عليها بأجمعهم كتابة شنيعة على قدر النهي وانصرفوا إلى منازلهم. ثم نودي على أجناد الحلقة للعرض وهدد من تأخر منهم. وكتب لعرب البحيرة بالحضور للسفر مع السلطان إلى الشام. ثم خلع منطاش على أمير حاج بن مغلطاي الحاجب باستقراره أستادارًا. ثم أنعم السلطان على الأمراء القادمين من الشام لكل أمير مائة ومقدم ألف بفرس بقماش ذهب ولمن عداهم بأقبية ورتب لهم اللحم والجامكيات والعليق وأخذ منطاش يستعطفهم بكل ما تصل إليه وفي سابع عشرينه أخليت خزانة الخاص بالقلعة وسدت شبابيكها وبابها وفتح من سقفها طاقة وعملت سجنًا للمماليك الظاهرية. ثم في يوم السبت أول ذي الحجة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة قدم الخبر على منطاش من الصعيد بأن العسكر الذي مع أسندمر بن يعقوب شاه واقع الأمراء الظاهرية بمدينة قوص وكسرهم وقبض عليهم فسر منطاش بذلك وخص عنه بعض الأمر ودقت البشائر لذلك ثلاثة أيام. وفيه أنفق منطاش على الأمراء نفقة السفر فأعطى لكل أمير من أمراء الألوف مائة ألف درهم فضة وأعطى لكل أمير من أمراء الطبلخانات خمسين ألف درهم فضة. ثم أمر منطاش بسد باب الفرج أحد أبواب القاهرة وخوخة أيدغمش. ثم قبض منطاش على متى بطرك النصاري وألزمه بمال وعلى رئيس اليهود وألزمه أيضًا بمال. فقرر على البطرك مائة ألف درهم وعلى رئيس اليهود خمسين ألف درهم. ثم طلب منطاش الشيخ شمس الدين محمد الركراكي المالكي وألزمه بالكتابة على الفتوى في أمر الملك الظاهر برقوق فامتنع من الكتابة غاية الامتناع فضربه منطاش مائة عصاة وسجنه بالإسطبل. ثم في خامس عشر ذي الحجة برز الأمراء الشاميون من القاهرة إلى ظاهرها للتوجه إلى الشام أمام العسكر السلطاني. وفيه قبض منطاش على الخليفة المخلوع من الخلافة زكريا وأخذ منه العهد الذي عهده إليه أبوه بالخلافة وأشهد عليه أنه لا حق له في الخلافة. ثم قدمت الأمراء ما خلا أسندمر بن يعقوب شاه من تجريدة الصعيد ومعهم المماليك الظاهرية الذين كانوا خرجوا عن الطاعة بقوص مقيدين فخلع منطاش على الأمراء وأخذ المماليك وغرق منهم جماعة في النيل ليلًا وأخرج بستة من الجب بالقلعة موتى خنقًا. ثم قدم الأمير أسندمر بن يعقوب شاه من بلاد الصعيد ومعه الأمراء الخارجون عن الطاعة وهم: الأمير تمرباي الحسني وقرابغا الأبوبكري وبجمان المحمدي ومنكلي الشمسي وفارس الصرغتمشي وتمربغا المنجكي وطوجي الحسني وقرمان المنجكي وبيبرس التمان تمري وقراكسك السيفي وأرسلان اللفاف ومقبل الرومي وطغاي تمر الجركتمري وجرباش التمان تمري الشيخي وبغداد الأحمدي ويونس الإسعردي وأردبغا العثماني وتنكز العثماني وبلاط المنجكي وقرابغا المحمدي وعيسى التركماني وقراجا السيفي وكمشبغا اليوسفي وآقبغا حطب وبك بلاط فأوقفوا الجميع بين يدي السلطان ومنطاش زمانًا ثم أمر بهم فحبسوا. وأفرج عن جماعة: منهم الأمير قنق باي الألجائي اللالا وآقبغا السيفي وتمرباي الأشرفي وفارس الصرغتمشي وخلع عليه ثم سجن منطاوش بخزانة شمائل وخزانة الخاص التي سد بابها قبل تاريخه الأمير محمود بن على الاستادار وآقبغا المارديني وآيدمر أبو زلطة وشاهين الصرغتمشي أمير آخور وجمق بن أيتمش البجاسي وبطا الطولو تمري الظاهري وبهادر الأعسر وعدة كبيرة من الأمراء والمماليك الظاهرية. وفيه ألزم منطاش سائر مباشري الديوان السلطاني وجميع الدواوين بأن يحمل كل واحد خمسمائة درهم وفرسًا وقرر ذلك على الوظائف لا على الأشخاص حتى من كان له عشرة وظائف في عدة دواوين يحمل عن كل وظيفة خمسمائة درهم وفرسًا فنزل بالناس ما لم يعهدوه فتوزعوا ذلك فجاء جملة الخيل التي أخذت من المباشرين خيلًا وعينًا ألف فرس. ثم أحضر منطاش من ألزم من أجناد الحلقة للسفر فأعفاهم على أن يحضر كل منهم فرسًا جيدًا فأحضروا خيولهم فأخذ جيادها ورد ما عداها. ثم ألزم منطاش رؤوس نوب الحجاب وغيرها بحمل كل واحد منهم خمسة آلاف درهم وعدتهم أربعة. وفي يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة نزل السلطان الملك المنصور حاجي من قلعة الجبل ومعه الأمير الكبير منطاش وتوجها بالعساكر إلى الريدانية خارج فلما نزلا بالمخيم استدعى منطاش قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي الشافعي إلى الريدانية وألزمه بالسفر معه إلى الشام فامتنع من ذلك وسأل الأعفاء فأعفي. وخلع على قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء باستقراره عوضه في قضاء ديار مصر على أن يعطي مال الأيتام ويعطي من ماله مائة ألف درهم أخرى فضة وخلع عليه ودخل القاهرة من باب النصر بالتشريف. قلت: هذا هو الكريم الذي تكرم بماله ودينه. ثم رسم منطاش بحبس الخليفة زكرياء والأمير سودون الشيخوني النائب بقاعة الفضة من القلعة. ثم نزل الوزير موفق الدين أبو الفرج وناصر الدين محمد بن الحسام شاد الدواوين إلى خان مسرور بالقاهرة حيث هو مودع مال الأيتام وأخذ منه بأمر منطاش ثلاثمائة ألف درهم وألزما أمين الحكم بالقاهرة أن يحصل تتمة خمسمائة ألف درهم. وألزم أمين الحكم بمصر أن يحمل مائة ألف درهم وألزم أمين الحكم بالحسينية أن يحمل مائة ألف درهم قرضًا كل ذلك حسب إذن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء. وفيه استدعى منطاش القضاة إلى الريدانية بكرة فأجلسوا بغير أكل إلى قريب العصر ثم طلبوا إلى عند السلطان فعقدوا عقده على بنت الأمير أحمد ابن السلطان حسن بصداق مبلغه ألف وعقدوا أيضًا عقد الأمير قطلوبغا الصفوي على ابنة الأمير أيدمر الدوادار. وفي ثاني عشرينه رحل الأمير الكبير منطاش في عدة الأمراء جاليشا للسلطان ثم رحل السلطان الملك المنصور والخليفة والقضاة وبقية العساكر بعد أن أقيم نائب الغيبة بالقلعة الأمير تكا الأشرفي ومعه الأمير دمرداش القشتمري وأقيم بالإسطبل السلطاني الأمير صراي تمر وبالقاهرة الأمير قطلوبغا الحاجب وجعل منطاش أمر الولاية والعزل إلى صراي تمر. ثم رحل السلطان من العكرشة إلى جهة بلبيس فتقنطر عن فرسه فتطير الناس من ذلك بأنه يرجع مقهورًا وكذلك كان. ثم سار السلطان وسائر العساكر إلى غزة في ثامن المحرم من سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وعليهم آلة الحرب والسلاح. وأما أمراء الديار المصرية فإن منطاش أمر قبل خروجه حسين بن الكوراني بالاحتفاظ على حواشي الملك الظاهر برقوق فأخذ ابن الكوراني يتقرب إلى منطاش بكل ما تصل قدرته إليه: من ذلك أنه توجه إلى قاعة البيسرية بين القصرين حيث هو سكن الخوندات إخوة الملك الظاهر برقوق الكبرى والصغرى أم الأتابك بيبرس وهجم عليهن بالقاعة المذكورة وأخذ بيبرس من أمه أخذًا عنيفًا بعد أن أفحش في سبهن وبالغ في ذم الملك الظاهر والحط منه وأخذ الخوندات حاسرات هن وجواريهن مسبيات يسحبهن بشوارع القاهرة وهن في بكاء وعويل حتى أبكين كل أحد وحصل بذلك عبرة لمن اعتبر ولا زال يسحبهن على هذه الصورة إلى باب زويلة فصادف مرورهن بباب زويلة دخول مقبل نائب الغيبة من باب زويلة فلما رأى مقبل ذلك أنكره غاية الإنكار ونهر حسين بن الكوراني على فعله ذلك وردهن من باب زويلة بعد أن أركب الخوندات وسترهن إلى أن عدن إلى قاعة البيسرية فكان هذا من أعظم الأسباب في هلاك حسين بن الكوراني على ما يأتي ذكره في سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية إن شاء الله تعالى. ثم نادى حسين بن الكوراني على المماليك الظاهرية أن من أحضر مملوكًا منهم كان له ألفًا درهم. وأما السلطان الملك المنصور ومنطاش فإن الأخبار أتتهما بأن الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب لم يزل يبعث يمد الملك الظاهر من حلب بالعساكر والأزواد والآلات والخيول وغير ذلك حتى صار لبرقوق برك عظيم ثم خرج من بعد ذلك من حلب بعساكرها وقدم على الملك الظاهر لنصرته فعظم أمر الملك الظاهر به إلى الغاية وكثرت عساكره وجاءته التركمان والعربان والعشير من كل فج فلما بلغ ذلك منطاش جد في السير هو والسلطان والعساكر إلى نحو وبلغ الملك الظاهر مجيء الملك المنصور ومنطاش لقتاله فترك حصار دمشق وأقبل نحوهم بعساكره ومماليكه حتى نزل على شقحب ونزل العسكر المصري على قرية المليحة وهي عن شقحب بنحو البريد وأقاموا بها يومهم وبعثوا كشافتهم فوجدوا الملك الظاهر برقوقًا على شقحب فتقدم منطاش بالسلطان والعساكر إلى نحوه بعد أن صف منطاش عساكر السلطان ميمنة وميسرة وقلبًا وجناحين وجعل للميمنة رديفًا وكذلك للميسرة هذا بعد أن رتب الملك الظاهر برقوق أيضًا عساكره غير أنه لم يتصرف في التعبية كتصرف منطاش لقلة جنده. ووقف منطاش في الميمنة على ميسرة الظاهر برقوق والتقى الفريقان في يوم الأحد رابع عشر للمحرم في سنة اثنتين وتسعين وتصادما واقتتل الفريقان قتالًا عظيمًا لم يقع مثله في سالف الأعصار. وحمل منطاش من الميمنة على ميسرة الظاهر وحمل أصحاب ميمنة الظاهر على ميسرة الملك المنصور وبذل كل من الفريقين جهده وثبتت كل طائفة للأخرى فكانت بينهما حروب شديدة انهزم فيها ميمنة الملك الظاهر وميسرته وتبعهم منطاش بمن معه وثبت الملك الظاهر في القلب وقد انقطع عنه خبر أصحابه وأيقن بالهلاك وبينما هو في ذلك لاح له طلائع السلطان الملك المنصور وقد انكشف الغبار عنه فحمل الملك الظاهر بمن بقي معه على الملك المنصور فأخذه وأخذ الخليفة المتوكل على الله والقضاة والخزائن ومالت الطائفة التي ثبتت معه على أثقال المصريين فأخذوها على آخرها وكانت شيئًا يخرج عن الحد في الكثرة. ووقع الأمير قجماس ابن عم الملك الظاهر في قبضة منطاش ولم يتعوق منطاش واستمر في أثر المنهزمين وهو يظن أن الملك الظاهر أمامه إلى أن وصل إلى دمشق وبها نائبها الأمير جنتمر أخو طاز فقال له منطاش: قد كسرنا الظاهر برقوقًا وفي الغد يقدم السلطان الملك المنصور فاخرج إلى لقائه فمشى ذلك على جنتمر. وأحتار منطاش فيما يفعل في الباطن ولم يعرف ما حصل بعده للملك المنصور ومع هذا كله في نفسه أن الملك الظاهر برقوق قد انكسر. وأما أمر السلطان الملك الظاهر برقوق وأصحابه فإن الأمير كمشبغا نائب حلب كان على ميمنة الملك الظاهر برقوق فلما أنهزم من منطاش تم في هزيمته إلى حلب وتبعه خلائق من عساكر حلب وغيرها وفي ظن كمشبغا أن الملك الظاهر قد انكسر وتبعه في الهزيمة الأمير حسام الدين حسن الكجكني نائب الكرك ومعه أيضًا عدة كبيرة من عساكر حلب والكرك فسار بهم إلى الكرك كما سار كمشبغا إلى حلب فلم يصل كل واحد من كمشبغا والكجكني حتى قاسى شدائد ومحنًا. هذا مع أنهم قطعوا رجاءهم من نصرة الملك الظاهر برقوق غير أن كل واحد ينظر في مصلحة نفسه فيما يأتي. وأما الملك الظاهر فإنه لم يتأخر عند إلا نحو من ثلاثين نفرًا أعني من المماليك الظاهرية الذين كانوا معه عند أخذه الملك المنصور. وأما من بقي من التركمان والغوغاء فأزيد من مائتي نفر. ولما قصد الملك الظاهر السلطان الملك المنصور حاجيًا والخليفة والقضاة وأخذهم وملك العصائب السلطانية وقف تحت العصائب فلما رآه المنصور ارتاع فسكن الملك الظاهر روعه وآنسه بالكلام وسلم على الخليفة والقضاة وبش في وجوههم وتلطف بهم فإنه لما رآه الخليفة كاد يهلك من هيبته وكذلك القضاة فما زال بهم حتى طمأن خواطرهم. هذا بعد أن سلبت النهابة القضاة الثلاثة جميع ما عليهم قبل أن يقع بصر الملك الظاهر عليهم ما خلا القاضي الحنبلي ناصر الدين نصر الله فإنه سلم من النهب لعدم ركوبه وقت الحرب ولم يركب حتى تحقق نصرة الملك الظاهر برقوق فعند ذلك ركب وجاء إليه مع جملة رفقته وأما مباشرو الدولة فإنهم كانوا توجهوا الجميع إلى دمشق هذا بعد أن قتل من الطائفتين خلائق كثيرة جدًا يطول الشرح في ذكرها. واستمر الملك الظاهر واقفًا تحت العصائب السلطانية والملك المنصور والخليفة بجانبه وتلاحق به أصحابه شيئًا بعد شيء وتداول مجيئهم إليه وجاءه جمع كبير من العساكر المصرية طوعًا وكرهًا: فإنه صار الرجل منهم بعد فراغ المعركة يقصد العصائب السلطانية فيجد الملك الظاهر تحتها فلا يجد بدًا من النزول إليه وتقبيل الأرض له فإن خافه الملك الظاهر قبض عليه وإلا تركه من جملة عسكره.
|